خطبة جمعة (التحذير من الشرك)
التاريخ : 19/11/1420هـ
المكان : جامع مطار الملك عبدالعزيز بمدينة الحجاج بجدة
عبدالرحمن بن محمد بن علي الهرفي
الداعية بمركز الدعوة بالمنطقة الشرقية
إنِ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ
أيها المسلمون :
إن الله تعالى منّ علينا بهذا الدين العظيم دين الإسلام خير الأديان وجعله ناسخاً لكل دين قبله ، فلا يقبل الله تعالى دينا غير دين الإسلام قال تعالى : "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " وأرسل الله تعالى لنا خير رسله وأعظمهم وأكثرهم رأفة بأتباعه قال تعالى : " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " هذا النبي العظيم خير خلق الله أجمعين محمد بن عبدالله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ ما زال داعيا إلى الله تعالى صابرا محتسبا الأجر مع ما لقي من عنت ومشقة ، وإذآء عظيم من قومه ، فقد سبوه وضربوه ، فكم صبر وتحمل في ذات الله فجزاه الله خير ما جزى نبي عن أمته وجمعنا الله معه في جنات النعيم .
عباد الله :
إن نبينا ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ دعنا إلى الله وأخرجنا الله به من الظلمات إلى النور فيجب علينا حبه أكثر من النفس والوالد والولد ، ويجب علينا طاعته ؛ ومن لم يحب النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ فليس بمؤمن ومن أبغظ النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ فهو كافر عدو لله تعالى ؛ عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
عباد الله :
إن أكبر دليل على حب النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ طاعته فيما أمر ، والذي يدعي حب النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ وهو يعصيه فهو ليس محبا للنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ وأعظم ما أمر به النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ هو التوحيد وكذلك كل الأنبياء من قبله كلهم دعوا للتوحيد قال تعالى : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ " وقال ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ : "الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ " أخرجه البخاري . قال النووي ـ رحمه الله ـ : قال جمهور العلماء : معنى الحديث أصل إيمانهم واحد , وشرائعهم مختلفة , فإنهم متفقون في أصول التوحيد , وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف . أ.هـ فنظر يا عبدالله كم بقي نبينا محمد ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ يأمرنا بالتوحيد ويحذرنا من الشرك ، بل إنه استمر طول حياته بعد النبوة يأمر الناس بتوحيد الله ونبذ ما سواه كائن ما كان ، وما كان النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ يقبل الشرك لذلك لما عرض عليه قومه أن يعبدوا الله تعالى سنة ويعبد آلهتهم سنة رفض ذلك قال تعالى : " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ(1)لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ(2)وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(3)وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ(4)وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(5)لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ " فليس هناك تقارب بين الإسلام والكفر ، فإما أن يكون المرء مؤمن أو كافر ، وإن المشركين كانوا يقرون بأن الله تعالى هو الخالق المدبر المحيي المميت وكان نزاعهم مع النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ حول إفراد الله تعالى وحده بالعبادة قال تعالى : " وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ " فهؤلاء المشركين حطب جهنم كانوا يقرون بأن الله هو الخالق ولكن نازعوا في إفراد العبادة لله قال تعالى : " أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ "
أيها المسلم :
أسمع قول ربك جل وعلا ونبيك ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ وأعرضه على قلبك وسمعك ، وقدم قول الله تعالى على قول غيره من المشايخ والعلماء ، والله أسأل أن ينفعني وأياك بما نسمع من آيات الله وأحاديث رسوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ . إن كثير من المسلمين مع الأسف الشديد عبدوا غير الله تعالى جاهلين أنهم وقعوا في الشرك الأكبر والعياذ بالله ونضرب على ذلك مثالا وهو الدعاء : فإن الدعاء من أعظم أنواع العبادة قال ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ : " الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ثُمَّ قَرَأَ "وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ " ، فالله تعالى وعد من دعاه بالإجابة ثم حذر الذين يستكبرون عن عبادته قال الإمام ابن كثير الشافعي ـ رحمه الله ـ شارحا معنى إن الذين يستكبرون عن عبادتي : (أي عن دعائي وتوحيدي سيدخلون جهنم داخرين أي صاغرين حقيرين ) .
فيا عبد الله إذا أحتاج أحدنا أمرا فقال : يا عبدالقادر أشفني أو يا علي نجني من هذه المصيبة أو يا رسول الله هب لي ولدا أو يا زينب خذي بيدي . !! هل هذا دعا الله جل وعلا وتقدس أم أنه أستكبر ودعا غير الله تعالى ؟ .
وبعض المسلمين يقع في الشرك عند القبور ، وإن زيارة القبور سنة قال ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ " ألا إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها" ولكن بعض الناس قد تشبه بالنصاري واليهود ـ أعاذنا الله وإياكم أن نكون منهم ـ فعن عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ ـ رضي الله عنهم ـ قَالا لَمَّا نَزَلَ ـ أي المرض الذي مات فيه ـ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ " لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا ، فهذا النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ يلعن اليهود والنصارى لأنهم قصدوا قبور أنبيائهم بالعبادة والخضوع ، وذكرت له بعض أزواجه ما رأينه من التصاوير وقبور الصالحين فنهى عن ذلك وبين أنهم شرار الخلق فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَمَّا اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَتْ بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَتَتَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ فَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ " أُولَئِكِ إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّورَةَ أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ " أخرجه البخاري . فبين ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ حرمة اتخاذ القبور أماكن للعبادة وقد دعا الله جل وعلا أن لا يكون قبره الشريف مكاناً للاجتماع والعبادة فقال : " لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ " أخرجه أبو داود ، وإن بعض الناس يكون في قلبه من الخضوع والخوف والرجاء عند أصحاب القبور أكثر من خوفه ورجائه لله جل وعلا قال تعالى : "وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا " .
يا من تقول في كل يوم أشهد أن لا إله إلا الله
يا من بذلت مالك وجهدك في سبيل الوصول إلى بيت الله أخلص العبادة لربك جل وعلا
يا من لبيت بالتوحيد فقلت " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ " وحّد الله تعالى ولا تشرك مع الله أحد من خلقه حتى تنجو من النار وتدخل الجنة قال ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ : "قَالَ لِي جِبْرِيلُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ ".
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وأسأل الله تعالى أن ينفعني وإياكم به