تــــــــــــعريف الــــــــحروف
إنما سمي كل واحد من التسعة والعشرين حرفاً - حرفاً على اختلاف ألفاظها لأنه طرف للكلمة في أولها وفي آخرها، وطرف كل شيء حرفه من أوله ومن آخره، ولذلك كان أقل عدد أصول حروف الأسماء والأفعال ثلاثة: طرفان ووسط. وكذلك الحروف العوامل سميت حروفاً لأنها وصلة بين الاسم والفعل، فهي طرف لكل واحد منهما، آخر الأول وأول الآخر، وطرفاً الشيء حداه من أوله وآخره، ( ومنه قوله عز وجل: وأقم الصلاة طرفي النهار أي أوله وآخره ).
( إن قلت: كيف يتألف الكلام ) من هذه الحروف؟ قلت: ائتلافه من أربعة أشياء: من حرف متحرك، وحرف ساكن، ومن حركة، ومن سكون. وذلك يرجع إلى شيئين: حرف ساكن وحرف متحرك، فالحرف المتحرك أكثر في كلام العرب من الساكن (كما أن الحركة أكثر من السكون، وإنما كان المتحرك أكثر من الساكن) لأنك لا تبتدئ إلا بمتحرك، وقد يتصل به حرف آخر متحرك، (وآخر متحرك)، وآخر بعد ذلك متحرك، ولا يجوز أن تبتدئ بساكن، ولا أن تصل ساكناً بساكن، إلا أن يكون الأول حرف مد ولين أو الثاني سكن للوقف، فلذلك كانت الحركة أكثر من السكون.
والحروف هي مقاطع تعرض للصوت الخارج مع النفس مبتدأ مستطيلا فتمنعه عن اتصاله بغايته، فحيث ما عرض ذلك المقطع سمي حرفا، وسمي ما يسامته ويحاذيه من الحلق والفم واللسان والشفتين مخرجاً، ولذلك اختلف الصوت باختلاف المخارج واختلاف صفاتها. والاختلاف هو خاصية حكمة الله تعالى المودعة فينا إذ بها يحصل التفاهم، ولولا ذلك لكان الصوت واحداً بمنزلة أصوات البهائم التي هي من مخرج واحد على صفة واحدة، فلم يتميز الكلام ولا يعلم المراد، فبالاختلاف يعلم وبالاتفاق يعدم.
( التمهيد في علم التجويد : للامام ابن الجزري )