بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا "محمد" وعلى أله وصحبه وسلم ....وبعد..
*فتعالوا بنا أخواتي وأخوتي نلقى الضوء سريعاً جدااا على أعظم أية فى القرأن الكريم ألا وهى :: أية الكرسى ....
يقول ربى {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }البقرة255....
*فهذه الأية العظيمة تضمنت قواعد التوحيد بأنواعه الثلاثة ، فقد اشتملت على صفات وأسماء كل منها يُمثل قاعدة من قواعد العقيدة الإسلامية .....
فقوله تعالى (({اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُو....))) ::: قرر قاعدة ""الألوهية"" ....التى هى أساس التوحيد ، والتى ينبثق منها منهج الإسلام للحياة كلها ....وهى تستلزم الإتجاه إلى الله وحده بالعبودية والعبادة :::فلا يكون الإنسان عبداً إلا لله ، ولا يتجه بالعبادة إلا لله عزوجل ، ولا يلتزم بطاعة إلا طاعة الله ، ولا يحتكم إلا إلى الله ، ولا يستمد شرعه ولا قيمه ولا أخلاقه ولا مفاهيمه إلا من الله سبحانه وتعالى.....
*وقوله تعالى ((الْحَيُّ الْقَيُّومُ )) ::أثبت لذاته العلية اسمين عظيمين ، ....
_((الحى)):::هو الذى له الحياة الدائمة ، والبقاء الذى لا أول له ولا أخر .....فالحياة التى يوصف بها الله تعالى :هى الحياة الذاتية التى لم تأت من مصدر أخر ، كحياة الخلائق المكسوبة الموهوبة لها من الخالق .....كذلك هى الحياة الأزلية الأبدية التى لا تبدأ من مبدأ ، ولا تنتهى إلى نهاية......
_و((القيوم)):: هو القائم بأمور الخلق ومدبر العالم فى جميع أحواله ، فهو القيم على كل شىء يرزقه ويحفظه ويرعاه ويدبره بما يريد الله جل وعلا....
_وهذان الإسمان(( الْحَيُّ الْقَيُّومُ))::من أعظم أسماء الله الحسنى ،إذ عليهما مدار الأسماء الحسنى كلها ‘ وإليهما ترجع معانيها .....فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال ، فلا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة .....فإذا كان لله تعالى الحياة الكاملة فله الكمال المطلق .....
وصفة القيومية ::: تتضمن كمال غناه سبحانه وكمال قدرته ، فهو القائم بنفسه ، فلا يحتاج إلى غيره بوجه من الوجوه .....وهو"المقيم"" لغيره ....فكل موجود مرتكن إلى وجود الله وتدبيره ....
_ولهذين الإسمين أثر عظيم فى حياة المسلم ، الذى يؤمن بهما ، ويستحضر ما فيهما من معانٍ عظيمة ....فإن ضميره يظل مرتبطاً بالله ، حباً وعبادةً وطاعةً ،لأنه يعلم أن ربه هو الذى يصرف أمره وأمر كل شىء حوله ، وفق حكمة وتدبير ، فيلتزم فى حياته بالمنهج المرسوم القائم على الحكمة والتدبير ، ويستمد منه قيمه وموازينه ، ويرقبه فى جميع أحواله ....
*وقوله تعالى (( تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ )) ::: توكيد لقيامه سبحانه على كل شىء وقيام كل شىء به....لأن السنة _وهى النعاس_ والنوم ينافيان الحياة الكاملة والقيومية الكاملة...
{ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ..)))
_يقررملكيته سبحانه الشاملة لكل شىء ، المطلقةمن أى قيد ، المنزهة عن أية شركة ....ولهذه العقيدة إذا استقرت فى قلوب الناس أثر عظيم فى حياتهم .....
*يقول صاحب الظلال _رحمه الله تعالى_ ::
""فإذا تمخضت الملكية الحقيقية لله تعالى ، لم يكن للناس ملكية ابتداء لشىء ، إنما كان لهم استخلاف من المالك الواحد الأصلى الذى يملك كل شىء ....ومن ثم يجب أن يخضعوا فى خلافتهم لشروط المالك المستخلف فى هذه الملكية ، وشروط المالك المستخلف قد بينها لهم فى شريعته فليس لهم أن يخرجوا عنها ، وإلا بطلت ملكيتهم الناشئة عن عهد الإستخلاف ووقعت تصرفتهم باطلة......على أن مجرد استقرار هذه الحقيقة فى الضمير ......مجرد شعور الإنسان بحقيقة المالك سبحانه لما فى السموات وما فى الأرض ، مجرد تصور الإنسان لخلو يده هو من ملكية أى شىء مما يقول :: أنه يملكه ،، ورد هذه الملكية لصاحبها مجرد إحساسه بأن ما فى يده عارية لأمد محدود ، ثم يستردها صاحبها الذى أعارها له فى الأجل المرسوم....
مجرد استحضار هذه الحقائق والمشاعر كفيل وحده بأن يقلل من حدة الشره والطمع ، وحدة الشح والحرص ، وحدة التكالب المسعور .....وكفيل كذلك بأن يسكب فى النفس القناعة والرضى بما يحصل من رزق ....والسماحة والجود بالموجود ....وأن يفيض على القلب الطمأنينة والقرار فى الوجدان والحرمان على سواء .....فلا تذهب النفس حسراتٍ على فائت أو ضائع ، ولا يتحرق القلب سعاراً على المرموق المطلوب"".....انتهى كلامه ..
_وقوله تعالى((مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ....)))..
*فهذا توضيح لمقام الألوهية ومقام العبودية ....فكل مخلوق عبد لله ، لا يتجاوز حد العبودية ، ولا يتعداه ....فليس له الشفاعة عند الله إلا بإذنه .....
وبهذا تضع هذه العقيدة فاصلاً واضحاً بين حقيقة العبودية وحقيقة الربوبية .....فلا يختلطان ولا يتشاركان فى شىء من الصفات أو الخصائص....
_وقوله تعالى (((يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء )))..
*فهذا إثبات لإحاطة علم الله تعالى وشموله الزمان والمكان والأشياء ....وبيان عجز المخلوقات ، ونقص علمهم إلا ما شاء الله أن يعلمهم .....
وإيمان المسلم بهذه الصفة لله عزوجل ، واستحضارها فى قلبه ، يجعله مراقباً لربه دائماً ، مراعياً لحدوده ، سريع التوبة إليه إن أساء .....وإدراكه لحقيقة نفسه ، ونعمة الله عليه فيما يعلمه إياه من الحقائق يجعله دائماً شديد الشكر لله ، وبعيداً عن البطر والكبر والتبجح...
_وقوله تعالى (((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }...
*فهذا دليل على كمال قدرته تعالى وتمامها .....ثم ختم الله تعالى هذه الأية العظيمة بذكر اسمين من أسمائه الحسنى :::
1_العلىُ :: ذو العلو والإرتفاع على خلقه ....فلا يتطاول أحد إلى مقامه إلا ويرده الله إلى الخفض والهون فى الدنيا ، والعذاب فى الأخرة ...
2_العظيم:: ذو العظمة الذى كل شىء دونه ، فلا شىء أعظم منه سبحانه ....وعندما تستقر حقيقة علو الله وعظمته فى نفس الإنسان ، فإنه يعرف قدر نفسه ، ويثوب إلى مقام العبودية لله عزوجل ، فلا يتكبر ولا يطغى ، وإنما يخاف الله ويهابه ويتأدب معه سبحانه ومع خلق الله تعالى ...
_ذلك بعض من مظاهر "أية الكرسى" ....فينبغى لكل منا أن يحرص عليها ويحفظها ويتدبر معانيها ويستحضرها ويراعى حقوقها .
هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده .....وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمنى ومن الشيطان ....والله ورسوله منه براء ...