جوهرة البحار مشرفة ومراقبة ركن القوارير
عدد الرسائل : 254 العمر : 53 البلاد : لندن- بريطانيا المسجد المفضل : المسجد النبوي الشريف القارئ المفضل : عبد الباسط عبد الصمد تاريخ التسجيل : 19/07/2008
| موضوع: الطريقُ إلى علم ِ النحْو ِ تأصيلاً ودرساً الأربعاء يوليو 30, 2008 4:37 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
الطريقُ إلى علم ِ النحْو ِ تأصيلاً ودرساً
النحوُ أحدُ العلوم ِ الشريفةِ الأصيلةِ ، يُقيمُ الألسنَ ويمحو عارَ اللّحن ِ ، ويُزينُ البيانَ والمنطقَ ، ولهذا صارَ قبلة ً لأهل ِ العلم ِ ، في درسهِ والتأليفِ فيهِ ، فتنافسوا في ذلكَ ، حتّى صارَ لهذا الفنِّ مدارسُ عدّة ٌ ، وقد علمَ أهلُ كلِّ مدرسةٍ منهم مشربَهم .
واليومَ : صارَ النحْو والنحْويُّ غريباً ، وانتشرَ اللحنُ ، وفشا الغلطُ ، وأصبحَ من يتعلّمُ النحوَ فريداً بينَ النّاس ِ ، فالأكثرونَ تحاموهُ وجفوهُ ، ومنهم من خذّلَ عنهُ وعن تعلّمهِ ، ولو فتّشتَ حقيقة َ أمرهِ وحالهِ لوجدتهُ جاهلاً بقدر ِ النحو ِ ، أو مُستصعباً لهُ .
ولكن لماذا هذا البعدُ عن النحْو ِ ، وهو علمٌ جليلٌ ؟ .
ربّما كانَ الباعثُ على تركهِ والتجافي عنهُ هو سوءُ عرضهِ من قبل ِ بعض ِ المدرّسينَ ، والذين أخذوا يعلّمونَ النحوَ ولمّا يفهموهُ بعدُ ، فصارَ تدريسُهم لهُ طلاسمَ وأحاجي ، وأصبحَ ما يعلمهُ الطالبُ من صحيح ِ النحْو ِ مشوباً بأضعافهِ من الغلطِ والخلطِ ، فضعفتْ ملكة ُ الطلاّبِ ، وقلّتْ إمكانيّاتُهم ، فرموا علمَ النحْو ِ بالنقائص ِ ، وكُتبهُ ودواوينهُ بالغرابةِ والصعوبةِ ، وما دروا أنَّ مكمنَ العلّةِ هو ذاكَ الأستاذ ُ المسيءُ للصنعةِ ، ممّا أدى إلى الجفوةِ .
كانَ النحْو ِ عزيزَ الجانبِ ، مهيبَ الرّكن ِ ، ينقلهُ العلماءُ كابراً عن كابر ٍ ، ويُسطّرونهُ في دواوينهم بحرفةٍ وإتقان ٍ ، ويُسدّدونهُ بالتلقين ِ رطباً من الأفواهِ إلى الآذان ِ ، حتّى يأمنوا غوائلَ التصحيفِ واللّحن ِ ، ويؤدّونهُ كما سمعوهُ غضّاً طريّاً .
واليومَ : غاضَ ذلكَ النبعُ ، وحُبسَ قطرهُ ، فسادتَْ بينَ النّاس ِ لغة ُ العوامِّ ، وحديثُ الجرائدِ ، وأصبحوا في حالةٍ من الضعفٍ باديةٍ ، واللّحن ِ فاشيةٍ ، وستروا سوءتهم بصُبابةٍ من القواعدِ المنتثرةِ هنا وهناكَ ، والتي علقتْ بذاكرتِهم كعلوق ِ الأحلام ِ باليقِظِ المُفيق ِ ، واختفتْ من عالمنا تلكَ الصورُ الزاهية ُ لأولئكَ الذينَ كانوا يحفظونَ مئاتِ الآلافِ من شواهدِ الشعر ِ ، وشواردِ الأدلّةِ ، ومنهم من كانَ يحفظ ُ الأسفارَ الكبيرة َ ، ويسردُ المتونَ ، كما يسردُ أحدُنا السورة َ القصيرة َ من القرءان ِ .
تلكَ الصورُ التي أيسنا من وجودِها ، وحسبُنا أنّها في بطون ِ كتبِ التراثِ ، نقرأها حيناً فنطربُ وننتشي ، ونسكبُ العبراتِ الحرّى على أولئكَ النفر ِ العظام ِ ، الذين حفظوا الدينَ واللّسانَ والعقلَ ، فأدّوهُ كما كانَ ، حتّى كأنّا نُجالسُ الرعيلَ الأوّلَ ، ونُزاحمهم بالرّكبِ في ثنايا تلكَ السطور ِ .
النحوُ لم يكنْ يوماً باباً صعبَ المرام ِ ، وعرَ المسلكِ ، بل هو علمٌ يسيرٌ سهلٌ ، من رامَ أخذهُ وتعلّمهُ وُفّقَ وهُديَ ، ومن حجّبهُ بالوهم ِ واليأس ِ منهُ ، فقد وقعَ في سوءِ نيّتهِ ، وحُرمَ منهُ لدخَل ِ مقصدهِ .
لكلِّ علم ٍ أصولٌ ومراتبُ يرتقي في معارجها من أرادَ الوصولُ إلى الغايةِ فيها ، فمن الخطأ القفزُ من مرتبةٍ إلى أخرى ، دونَ إتمام ِ وحذق ِ ما قبلها ، وكذلكَ من التهوّر ِ المواصلة ُ إلى أسنى المراتبِ ، إذا كانَ ذلك العلمُ ليسَ بمطلوبٍ لذاتهِ ، وليسَ المُتخصّصُ كالمُتلصّص ِ ، ويجبُ على هذا ما لا يُستحبُ لذلكَ .
وعلمُ النحْو ِ كذلكَ ، دخلهُ بعضُ النّاس ِ من أوعر ِ طرقهِ وأبأسها ، ألا وهو التعليلُ والصنعة ُ الدقيقة ُ ، فاستهواهُ التعليلُ والنقدُ ، وأطربهُ ما يحملهُ من نِقاشاتٍ ذهنيّةٍ جدليّةٍ ، ليستْ من علم ِ النحْو ِ في شيءٍ ، بل هي دخيلة ٌ عليهِ ، وهي بعلوم ِ المنطق ِ الذهنيّةِ أشبهُ منها بعلوم ِ الشرع ِ واللسان ِ ، وعلمُ النحْو ِ كصناعةٍ وتعليل ٍ قليلُ الفائدةِ كثيرُ المزالق ِ ، لا يُجتنى منهُ إلا كدُّ الذهن ِ وترويضُ العقل ِ ، وأمّا الفائدة ُ اللغويّةِ أو تركيبُ الجمل ِ تركيباً سليماً ، فهذا لا يدخلُ فيهِ البتّة َ ، ولهذا قالوا قديماً : أضعفُ من حُجّةِ نحْويٍّ ، وذلكَ لأنَّ حُججهم واهية ٌ ومُتخيّلة ٌ ، ومن عرفَ كلامَ العربِ بلهجاتهِ ، قلَّ أن يُخطأ أحداً منهم كما قالَ ذلكَ الأصمعيُّ – رحمهُ اللهُ - .
ومن هنا لا بُدَّ للوالج ِ إلى علم ِ النحْو ِ أن يلجهُ من بابهِ المعروفِ ، ويدرسهُ من أصلهِ الأوّل ِ ، ألا وهو تركيبُ الجمل ِ والمفرادتِ تركيباً سليماً ، وإعطاءُ كلِّ حرفٍ منها حقّهُ من الحركاتِ اللاحقةِ في آخرهِ ، حتّى يسلمَ المرءُ من اللحن ِ ، ويستقيمَ لهُ نِظامُ الكلام ِ ، وعمودُ اللفظِ .
والثمرة ُ من علم ِ النحو ِ هو عدمُ اللحن ِ ، فمن حصّلَ ذلكَ وكمّلهُ فقد استغنى عن بقيّةِ ما فيهِ ، حتى لو كانَ ذلكَ عن طبع ٍ فيهِ وسليقةٍ مركّبةٍ ، دونَ تعلّم ٍ أو معرفةٍ بالقواعدِ النحْويّةِ ، كما كانَ الفرزدقُ يقولُ : علينا أن نقولَ الشعرَ وعليكم أن تتأوّلوا ، ومقصدهُ بذلكَ – واللهُ أعلمُ – أنّهُ يقولُ الشعرَ سليقة ً وطبعاً ، فتخرجُ ألفاظهُ عربيّة ً مُستقيمة ً في الإعرابِ ، لا لحنَ فيها ، فهو سليمُ اللسان ِ فصيحُ اللغةِ ، وهذا هو ثمرة ُ النحْو ِ وفائدتهُ ، فمن كانَ فصيحاً لا يلحنُ ، فقد أتى النحْوَ من أوسع ِ أبوابهِ .
وقد ذكرَ الجاحظ ُ في بعض ِ رسائلهِ أنَّ الغرضَ من علم ِ النحْو ِ إقامة ُ نِظام ِ الكلام ِ ، على وفق ِ لغةِ العربِ بلا لحن ٍ أو خلطٍ ، فما كانَ من هذا العلم ِ يؤدي هذا الغرضَ فهو المطلوبُ ، وما زادَ عنهُ فهو فضولٌ مُضن ٍ ، يُشغلُ عمّا هو أهمُّ وأفيدُ ، وتركهُ لما هو أولى منهُ أولى وأحرى ، وقالَ مثلَ هذا الكلام ِ العالمُ الربّانيُّ : ابنُ رجبٍ الحنبليُّ ، في كتابهِ الشهير ِ " فضلُ علم ِ السلفِ على علم ِ الخلفِ " .
يقولُ ابنُ الأثير ِ : أمّا علمُ النحْو ِ فإنّهُ في علم ِ البيان ِ من المنظوم ِ والمنثور ِ ، بمنزلةِ أبجد في تعليم ِ الخطِّ ، وهو أوّلُ ما ينبغي إتقانُ معرفتهِ لكلِّ أحدٍ ينطقُ باللسان ِ العربيِّ ، ليأمنَ معرّة َ اللحن ِ .
إذا عُلمَ ذلكَ وتقرّرَ ، صارَ المؤكّدُ على الكاتبِ أن يبحثَ عمّا يسترُ عيبهُ من اللحن ِ ، ويسُدَّ ثغرتهِ من الخطأ في الإعرابِ ، وبداية ُ ذلكَ أن يقرأ في كتبِ النحْو ِ المؤسّسةِ للقواعدِ والمقرّرةِ لأصول ِ ومبادئِ هذا العلم ِ ، بحيثُ يسهلُ عليهِ تصوّرُ مباحثهِ وأبوابهِ على جهةِ الإجمال ِ ، ويتعوّدَ رويداً رويداً على الإعرابِ ، ثمَّ ينتقلَ لما بعدَ ذلكَ إلى الاستدلال ِ والتفريع ِ .
يتبع ان شاء الله... | |
|
أبو سليمان المغربي مؤسس المنتدى و المشرف العام
عدد الرسائل : 215 العمر : 47 البلاد : فرنسا المسجد المفضل : المسجد النبوي الشريف القارئ المفضل : عبد الرحيم النبلسي تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: رد: الطريقُ إلى علم ِ النحْو ِ تأصيلاً ودرساً الجمعة أغسطس 01, 2008 10:58 am | |
| بارك الله فيك و مشكورة على الموضوع | |
|
ابن عامر الشامي الادارة
عدد الرسائل : 616 البلاد : شمال افريقيا المسجد المفضل : المسجد الحرام القارئ المفضل : سعود الشريم تاريخ التسجيل : 19/05/2008
| موضوع: رد: الطريقُ إلى علم ِ النحْو ِ تأصيلاً ودرساً الجمعة أغسطس 01, 2008 9:32 pm | |
| | |
|
راجـــ الفردوس ـــية الادارة
عدد الرسائل : 1095 العمر : 43 البلاد : الفردوس الأعلى المسجد المفضل : المسجد الأقصى القارئ المفضل : القارئ محمود خليل الحصري تاريخ التسجيل : 14/06/2008
| موضوع: رد: الطريقُ إلى علم ِ النحْو ِ تأصيلاً ودرساً السبت أغسطس 02, 2008 3:06 am | |
| | |
|
محمد صلاح المصري عضو جديد
عدد الرسائل : 16 العمر : 37 البلاد : مصر المسجد المفضل : المسجد النبوي القارئ المفضل : المنشاوى تاريخ التسجيل : 17/12/2008
| موضوع: رد: الطريقُ إلى علم ِ النحْو ِ تأصيلاً ودرساً الأحد ديسمبر 21, 2008 4:55 am | |
| | |
|
جوهرة البحار مشرفة ومراقبة ركن القوارير
عدد الرسائل : 254 العمر : 53 البلاد : لندن- بريطانيا المسجد المفضل : المسجد النبوي الشريف القارئ المفضل : عبد الباسط عبد الصمد تاريخ التسجيل : 19/07/2008
| موضوع: رد: الطريقُ إلى علم ِ النحْو ِ تأصيلاً ودرساً الأحد ديسمبر 21, 2008 2:26 pm | |
| السلام عليكم و رحمة الله و بركاته جزاكم الله خير الجزاء اخوتي الافاضل .. أخواتي الفضليات على المرور و الرد الطيب اسفة على الانقطاع المفاجئ .. و الله فوق ارادتي في البداية كان لبداية حملي ثم بعدها السفر الى بيت الله الحراملاداء فرائض الحج ان شاء الله ساتابع الموضوع وباقي المواضيع باذن الله عز وجل وفق الله الجميع لحبه وطاعته و مرضاته.
| |
|
راجـــ الفردوس ـــية الادارة
عدد الرسائل : 1095 العمر : 43 البلاد : الفردوس الأعلى المسجد المفضل : المسجد الأقصى القارئ المفضل : القارئ محمود خليل الحصري تاريخ التسجيل : 14/06/2008
| موضوع: رد: الطريقُ إلى علم ِ النحْو ِ تأصيلاً ودرساً الإثنين ديسمبر 22, 2008 6:11 pm | |
| بانتظارعودتك الكريمة أختي المباركة وتقبل الله منك صالح العمل | |
|