الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
المسألة الثانية : اجتماع البدل مع اللين في نحو {شيء} و {سَوْء}.
فالأوجه المحررة من الشاطبية هي :
- قصر البدل مع التوسط في اللين
- توسط البدل مع التوسط في اللين
- مدّ البدل مع التوسط والمدّ في اللين.
فأمّا قصر البدل مع التوسّط في اللين ففيه نظر لأنّ طاهر ابن غلبون الذي روى عنه الداني قصر البدل لم يرو التوسّط إلاّ في لفظ { شيء } كيف أتت خلافاً لباقي الكلمات نحو { سَوْء } و { سوءة} و{كهيئةً} وغيرها.
قال ابن غلبون في كتابه التذكرة (2/250) : " بتمكين الياء التي قبل الهمزة من قوله (شيء) فيكون مداً متوسطاً تقوية على النطق بالهمزة في هذا الاسم وحده حيث وقع لكثرته ".
قال الداني في جامع البيان ص203 : " وأقرأني أبو الحسن – أي طاهر ابن غلبون – عن قراءته في رواية أبي يعقوب بتمكين الياء من {شيء} و {شيئا} في جميع القرءان لكثرة دورهما لا غير ، وما عدا ذلك بغير تمكين حيث وقع نحو { ولا تيأسوا } ،و { إنّه لا ييأس} و{ مطر السوء } ،و { سوءة أخي } وشبهه "
قال ابن الجزريّ في النشر (1/347) : "وذهب آخرون إلى زيادة المد في (شيء) فقط كيف أتى مرفوعاً أو منصوباً أو مخفوضاً وقصر سائر الباب. وهذا مذهب أبي الحسن طاهر بن غلبون وأبي الطاهر صاحب العنوان وأبي القاسم الطرسوسي وأبي علي الحسن بن بليمة صاحب التلخيص وأبي الفضل الخزاعي وغيرهم. واختلف هؤلاء في قدر هذا المد فابن بليمة والخزاعي وابن غلبون يرون أنه التوسط وبه قرأ الداني عليه "
وقال في تقريب النشر ص 97.: " وذهب آخرون عن الأزرق إلى زيادة المد في (شيء) فقط كيف أتى وقصر باقي الباب وهو الذي في التذكرة والعنوان وتلخيص العبارات وغيرها "
أقول : هذه نصوص في غاية الصراحة على أنّ صاحب التذكرة لم يرو التوسّط إلاّ في {شيء} و {شيئا} لا غير وبذلك قرأ الداني عليه كما صرّح في جامع البيان ، ونذكّر أنّ طريق القصر في البدل من الشاطبية هو من طريق التذكرة لابن غلبون وبه قرأ الداني عليه.
فالسؤال : لماذا أطلق المحررون التوسط على اللين المهموز بجميع أنواعه نحو { ولا تيأسوا } ،و { إنّه لا ييأس} و{ مطر السوء } ،و { سوءة أخي } وشبهه على قصر البدل ، مع أنّ صاحب التذكرة لم يرو التمكين إلاّ في {شيء} و {شيئا}.
وأمّا توسط البدل مع اللين فمن التيسير وبه قرأ الداني على ابن خاقان.
وأمّا طول البدل مع التوسّط في اللين فمن جامع البيان وبه قرأ الداني على أبي الفتح وابن خاقان (انظر جامع البيان ص203).
وأمّا طول البدل مع طول اللين ففيه نظر لأنّ الداني ما قرأ بوجه الطول في اللين ولم يذكره في التيسير وجامع البيان والمفردات ولم يعزه ابن الجزريّ إليه في نشره وتقريبه.
فنخلص مما سبق ذكره أنّ ما حرره العلماء من الأوجه بين البدل واللين يحتاج إلى نظر في قضيتين:
الأولي : عدم تخصيص زيادة المدّ في اللين ب {شيء} و {شيئا} على قصر البدل
الثانية : عدم ثبوت طول البدل مع طول اللين في طرق الشاطبية لأنّ الداني ما قرأ بالطول اللين على مشايخه الثلاثة.
وقد استأنست كثيراً بكلام العلامة المتولّي في روضه حين قال : " وأمّا تحرير المسألة – أي أوجه اللين - من طريق الشاطبية فكما ذكرنا ، فهذا مشهورٌ وتفريعنا عليه ولكنّي لا أدري من أين ذلك ؟ لأنّ طرق الشاطبية التي زادها على التيسير مجهولة وهذا أمرٌ متوقّف على معرفتها ، ولم يُبرّر أحد ممن قال بذلك شيئاً منها " ( روض النضير ص253 طبعة دار الصحابة).
المسألة الثالثة : اجتماع اللين في نحو {شيء} و {سَوْء} مع الذات.
فالأوجه المحررة من الشاطبية هي :
- توسط اللين مع وجهي الذات
- طول اللين مع وجهي الذات
ولا يُمنع منها شيء. وهذا فيه نظر كذلك لأنّ فتح الذات هو من التذكرة وبه قرأ الداني على طاهر ابن غلبون ولم يرد من هذا الطريق إلاّ التوسّط في { شيء} و { شيئاً } كما سبق بيانه. فمن أين ورد وجه توسط اللين المطلق ومدّه على الفتح في الذات ؟
ومن أين ورد وجه المدّ في اللين مع أنّ الداني لم يقرأ به ولم يذكره في كتبه وليس هناك من أهل التحقيق من نسبه إلى الداني.
أكتفي بهذا القدر ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
محمد يحيى شريف الجزائري